responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 251
لَا يَكُونَ عِنْدَكَ كُلُّهُمْ أَوْلَى فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ مُبَالَغَةٌ فِي أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْجَوَابِ عَنْ شُبُهَاتِ النَّصَارَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ اعْتِمَادَهُمْ عَلَى أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَدَرَ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: هَذَا الْقَدْرُ مِنَ الْقُدْرَةِ لَا يَكْفِي فِي الْإِلَهِيَّةِ، بَلْ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ عَزِيزًا غَالِبًا لَا يُدْفَعُ وَلَا يُمْنَعُ، وَأَنْتُمْ قَدِ اعْتَرَفْتُمْ بِأَنَّ عِيسَى مَا كَانَ كَذَلِكَ، وَكَيْفَ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّ الْيَهُودَ قَتَلُوهُ؟ وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّهُ كَانَ يُخْبِرُ عَنِ الْغُيُوبِ وَغَيْرِهَا، فَيَكُونُ إِلَهًا، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: هَذَا الْقَدْرُ مِنَ الْعِلْمِ لَا يَكْفِي فِي الْإِلَهِيَّةِ، بَلْ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ حَكِيمًا، أَيْ عَالِمًا بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ وَبِجَمِيعِ عَوَاقِبِ الْأُمُورِ، فَذِكْرُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ هَاهُنَا إِشَارَةٌ إِلَى الْجَوَابِ عَنْ هَاتَيْنِ الشُّبْهَتَيْنِ وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ مَا ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ السُّورَةِ مِنْ قَوْلِهِ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آلِ عِمْرَانَ: 6] .
ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ وَالْمَعْنَى: فَإِنْ تَوَلَّوْا عَمَّا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ/ الْوَاحِدُ، وَأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَزِيزًا غَالِبًا قَادِرًا عَلَى جَمِيعِ الْمَقْدُورَاتِ، حَكِيمًا عَالِمًا بِالْعَوَاقِبِ وَالنِّهَايَاتِ مَعَ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا كَانَ عَزِيزًا غَالِبًا، وَمَا كَانَ حَكِيمًا عَالِمًا بِالْعَوَاقِبِ وَالنِّهَايَاتِ. فَاعْلَمْ أَنَّ تَوَلِّيَهُمْ وَإِعْرَاضَهُمْ لَيْسَ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الْعِنَادِ فَاقْطَعْ كَلَامَكَ عَنْهُمْ وَفَوِّضْ أَمْرَهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِفَسَادِ الْمُفْسِدِينَ، مُطَّلِعٌ عَلَى مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْأَغْرَاضِ الْفَاسِدَةِ، قَادِرٌ عَلَى مُجَازَاتِهِمْ.

[سورة آل عمران (3) : آية 64]
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)
وَاعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَوْرَدَ عَلَى نَصَارَى نَجْرَانَ أَنْوَاعَ الدَّلَائِلِ وَانْقَطَعُوا، ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى الْمُبَاهَلَةِ فَخَافُوا وَمَا شَرَعُوا فِيهَا وَقَبِلُوا الصَّغَارَ بِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ، وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَرِيصًا عَلَى إِيمَانِهِمْ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ اتْرُكْ ذَلِكَ الْمَنْهَجَ مِنَ الْكَلَامِ وَاعْدِلْ إِلَى مَنْهَجٍ آخَرَ يَشْهَدُ كُلُّ عَقْلٍ سَلِيمٍ وَطَبْعٍ مُسْتَقِيمٍ أَنَّهُ كَلَامٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِنْصَافِ وترك الجدال، وقُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَيْ هَلُمُّوا إِلَى كَلِمَةٍ فِيهَا إِنْصَافٌ مِنْ بَعْضِنَا لِبَعْضٍ، وَلَا مَيْلَ فِيهِ لِأَحَدٍ عَلَى صَاحِبِهِ، وَهِيَ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً هَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنَ الْكَلَامِ وَلْنَذْكُرِ الْآنَ تَفْسِيرَ الْأَلْفَاظِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: يا أَهْلَ الْكِتابِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا: الْمُرَادُ نَصَارَى نَجْرَانَ وَالثَّانِي: الْمُرَادُ يَهُودُ الْمَدِينَةِ وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْفَرِيقَيْنِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ يَتَنَاوَلُهُمَا وَالثَّانِي: رُوِيَ فِي سَبَبِ النُّزُولِ، أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصلاة والسلام، ما تريد إِلَّا أَنْ نَتَّخِذَكَ رَبًّا كَمَا اتَّخَذَتِ النَّصَارَى عِيسَى! وَقَالَتِ النَّصَارَى: يَا مُحَمَّدُ مَا تُرِيدُ إِلَّا أَنْ نَقُولَ فِيكَ مَا قَالَتِ الْيَهُودُ في عزيز! فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَعِنْدِي أَنَّ الْأَقْرَبَ حَمْلُهُ عَلَى النَّصَارَى، لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَمَّا أَوْرَدَ الدَّلَائِلَ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا، ثُمَّ بَاهَلَهُمْ ثَانِيًا، فَعَدَلَ فِي هَذَا الْمَقَامِ إِلَى الْكَلَامِ الْمَبْنِيِّ عَلَى رِعَايَةِ الْإِنْصَافِ، وَتَرْكِ الْمُجَادَلَةِ، وَطَلَبِ الْإِفْحَامِ وَالْإِلْزَامِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ، أَنَّهُ خَاطَبَهُمْ هاهنا بقوله تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ وَهَذَا الِاسْمُ مِنْ أَحْسَنِ الْأَسْمَاءِ وَأَكْمَلِ الْأَلْقَابِ حَيْثُ جَعَلَهُمْ أَهْلًا/ لِكِتَابِ اللَّهِ، وَنَظِيرُهُ،

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 251
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست